أعراض مرض نقص الصفائح الدموية: دليل شامل لفهم المؤشرات السريرية والتشخيصية

يُعد نقص الصفائح الدموية من الاضطرابات الدموية التي تستوجب اهتماماً طبياً دقيقاً، لما له من تأثير مباشر على آلية تخثر الدم وسلامة الجهاز الدوري. الصفائح الدموية هي مكونات خلوية صغيرة في الدم تُنتج في نخاع العظم، وتلعب دوراً حاسماً في وقف النزيف عن طريق التكتل وتكوين سدادة في موقع الإصابة. حين يقل عدد هذه الصفائح عن المعدلات الطبيعية، يصبح الجسم أكثر عرضة للنزيف التلقائي والمضاعفات النزفية الخطيرة.

تعريف نقص الصفائح الدموية

نقص الصفائح الدموية (Thrombocytopenia) هو حالة تنخفض فيها أعداد الصفائح الدموية في الدم إلى أقل من 150,000 صفيحة لكل ميكرولتر. تتفاوت شدة الحالة بحسب مدى الانخفاض، إذ قد تتراوح من انخفاض بسيط لا يسبب أعراضاً واضحة، إلى حالات شديدة تهدد الحياة بسبب النزيف الداخلي أو الخارجي.

المعدل الطبيعي للصفائح الدموية

قبل الخوض في الأعراض، من المهم الإشارة إلى المعدل الطبيعي لعدد الصفائح الدموية، والذي يتراوح ما بين:

عند انخفاض الأرقام إلى ما دون هذه المستويات، تبدأ الأعراض في الظهور تدريجياً أو فجأة حسب السبب المؤدي للنقص.

الأعراض العامة لنقص الصفائح الدموية

تتنوع الأعراض بشكل كبير، ويمكن أن تتراوح بين الطفيفة إلى الخطيرة، وتشمل:

1. النزيف السطحي (الجلدي)

يُعد من أبرز العلامات وأكثرها وضوحاً، ويظهر على شكل:

• كدمات عفوية (Ecchymosis): كدمات تظهر على الجلد دون وجود إصابة مباشرة، وغالباً ما تكون بلون أزرق أو أرجواني.

• نقاط نزيفية دقيقة (Petechiae): بقع صغيرة جداً، حمراء أو أرجوانية، تنتشر على الجلد، خاصة في مناطق الأطراف السفلية أو الذراعين.

• النزيف تحت الجلد: يحدث نتيجة لتسرب الدم من الأوعية الدموية الدقيقة تحت الجلد بسبب هشاشتها الناتجة عن قلة الصفائح.

2. النزيف المفرط أو غير الطبيعي

• نزيف اللثة: يحدث أثناء تنظيف الأسنان أو حتى دون سبب واضح.

• نزيف الأنف (الرعاف): متكرر وطويل الأمد مقارنة بالمعتاد.

• نزيف من مواقع الحقن أو الجروح: يستمر لفترات أطول من الطبيعي ولا يتوقف بسهولة.

• نزيف حاد أثناء الحيض (غزارة الطمث): لدى النساء، قد يكون النزيف الشهري أكثر كثافة ويستمر لعدة أيام.

3. النزيف الداخلي

يُعد من أخطر مضاعفات نقص الصفائح ويحتاج إلى تدخل طبي فوري:

• نزيف الجهاز الهضمي: يظهر على شكل براز داكن اللون أو قيء مدمى.

• نزيف داخل الجمجمة: يسبب أعراضاً عصبية مثل صداع شديد مفاجئ، تشوش في الرؤية، أو فقدان الوعي.

• نزيف في الجهاز البولي: قد يُلاحظ وجود دم في البول.

4. أعراض غير محددة ولكن شائعة

• الإرهاق العام: نتيجة فقدان الدم المزمن أو الجهد الإضافي للجسم لمحاولة الحفاظ على توازن الدورة الدموية.

• الدوخة والدوار: بسبب فقدان الدم أو انخفاض ضغط الدم المرتبط بالنزيف.

• شحوب الجلد: خاصة عند وجود نزيف داخلي مزمن.

الأعراض حسب شدة نقص الصفائح

أعراض خاصة لدى فئات معينة

الأطفال

في بعض الحالات، خاصة بعد عدوى فيروسية، قد يظهر نقص الصفائح الحاد والمفاجئ في صورة مرض يُعرف بـ “الفرفرية قليلة الصفيحات المناعية” (ITP)، ومن أعراضه:

• كدمات منتشرة وسريعة الظهور.

• نقاط نزيفية.

• نزيف من اللثة أو الأنف دون سبب واضح.

النساء

• زيادة شدة النزيف الطمثي.

• خطر مضاعف أثناء الحمل، خصوصاً عند الإصابة بحالات مثل تسمم الحمل أو متلازمة HELLP التي تترافق مع نقص الصفائح.

الحوامل

نقص الصفائح في الحمل غالباً ما يكون معتدلاً ولا يسبب أعراضاً خطيرة، لكنه قد يحتاج إلى مراقبة دقيقة خصوصاً عند اقتراب موعد الولادة لتجنب مضاعفات النزيف.

الحالات التي تستدعي تدخلاً طبياً فورياً

هناك أعراض تستوجب التدخل الطبي العاجل لأنها قد تشير إلى خطر نزيف داخلي أو دماغي، وتشمل:

• صداع مفاجئ وشديد.

• فقدان الوعي أو ارتباك ذهني.

• رؤية مزدوجة أو تشوش بصري.

• ألم بطني شديد أو نزيف مهبلي حاد.

• براز مدمى أو أسود اللون.

• قيء ممزوج بالدم.

الأسباب الشائعة لنقص الصفائح وتأثيرها على الأعراض

الأعراض تختلف قليلاً بحسب المسببات:

1. أمراض المناعة الذاتية

مثل الذئبة الحمراء أو الفرفرية قليلة الصفيحات المناعية (ITP). الأعراض تكون متقطعة وقد تظهر فجأة بعد نوبة من النشاط المناعي.

2. العدوى الفيروسية

مثل فيروس إبشتاين-بار، فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، وفيروس الكبد الوبائي C. ترتبط الأعراض بحدوث نزيف بسيط مع أعراض عدوى مرافقة.

3. استخدام أدوية معينة

مثل الهيبارين أو أدوية السرطان (العلاج الكيماوي). الأعراض تبدأ تدريجياً بعد بدء العلاج وتشمل نزيفاً في اللثة والأنف.

4. اضطرابات نخاع العظم

مثل سرطان الدم أو فقر الدم اللاتنسجي. يصاحب الأعراض نزيف مزمن، شحوب، تعب، وأحياناً تضخم في الكبد أو الطحال.

5. الحمل

تكون الأعراض غالباً خفيفة ولكن يجب مراقبة الحالة خلال فترة الحمل خاصة إذا كانت المرأة تعاني من ارتفاع ضغط الدم أو سكري الحمل.

الفحوصات المطلوبة لتشخيص الحالة

تشمل الإجراءات التشخيصية الأولية ما يلي:

• العد الدموي الكامل (CBC): لتحديد عدد الصفائح.

• فحص لطاخة الدم: لتحليل شكل وحجم الصفائح والكريات الأخرى.

• تحاليل تخثر الدم (PT, aPTT): لتقييم كفاءة عملية التجلط.

• اختبارات المناعة: للكشف عن أمراض مناعية مرافقة.

• خزعة نخاع العظم: في الحالات المعقدة لتحديد سبب نقص الصفائح.

العلاج ومراقبة الأعراض

العلاج يعتمد بشكل مباشر على السبب وشدة الأعراض:

• في الحالات الخفيفة، قد لا يُطلب تدخل دوائي فوري، بل تتم المتابعة الدورية.

• في حالات ITP، تُستخدم الكورتيكوستيرويدات أو الغلوبولين المناعي الوريدي.

• عند وجود نزيف حاد، يتم إعطاء المريض صفائح دموية عبر الوريد.

• التوقف عن الأدوية المسببة للنقص حال ثبوت علاقتها بالحالة.

• في بعض الحالات المزمنة، قد يُوصى باستئصال الطحال.

الاحتياطات الواجب اتباعها لمنع تفاقم الأعراض

• تجنب الأنشطة العنيفة التي قد تسبب إصابات أو جروح.

• الامتناع عن تناول الأدوية التي تزيد خطر النزيف مثل الأسبرين أو الإيبوبروفين دون إشراف طبي.

• مراجعة الطبيب بشكل دوري لمتابعة عدد الصفائح.

• الحرص على النظافة الفموية لتقليل فرص نزيف اللثة.

الخلاصة

مرض نقص الصفائح الدموية يُعد من الاضطرابات الهامة التي تتطلب تشخيصاً دقيقاً وتدخلاً علاجياً مناسباً بناءً على الأعراض الظاهرة والسبب الكامن. إن فهم الأعراض وتفاصيلها بدقة يسهم في الكشف المبكر عن الحالة وتجنب المضاعفات، خاصة في حالات النزيف الداخلي أو أثناء الحمل. تتنوع الأعراض بين البسيطة والخطيرة، ولكن الإدراك السريع لطبيعتها ومتابعة الحالة طبياً يقلل من احتمالية حدوث مضاعفات تهدد الحياة.

المراجع

• Hoffman R, et al. Hematology: Basic Principles and Practice. Elsevier; 2021.

• American Society of Hematology (ASH). “Thrombocytopenia: Symptoms and Causes.” www.hematology.org